أخر الاخبار

أشباه الموصلات ... تعرّف على الصناعة التي قام على أكتافها التقدّم التقني

أشباه الموصلات ... تعرّف على الصناعة التي قام على أكتافها التقدّم التقني




هل تساءلت يوماً ما هي أشباه الموصلات؟

لا شك انك كمستخدم ومُهتم بالتقنية في عصرنا الحالي تسمع كثيراً هذا المُسمّى من القاصي والداني، وقد ذاع صيت هذا المُكوّن بشكل واضح أيضاً في الشهور القليلة الماضية، التي واجهه فيها العالم نقصاً واضحاً في أشباه الموصلات. 


وهو ما زاد في نهاية المطاف من صعوبة الحصول على العديد من المكونات الإلكترونية والشرائح التي يتم استخدامها تقريباً في جميع الإلكترونيات المتاحة اليوم بداية من الحواسيب والجوالات والساعات الذكية، ووصولاً لشرائح التوجيه في الطائرات ومركبات الفضاء.



 ما هي أشباه الموصلات

أشباه الموصلات، والمعروفة أيضًا باسم الرقائق الدقيقة أو الـ Microships هي أجهزة تعتمد على شرائح السيليكون وتتكون من مئات الملايين أو المليارات من الترانزستورات الدقيقة، والتي بدورها تعمل بمثابة "مفاتيح" صغيرة للتحكم في حركة الإلكترونات والمرور منها. 

يتم إنتاج الرقائق الأكثر تقدمًا اليوم باستخدام ما يسمى بعملية التصنيع ذات دقة 7nm وقريباً سنرى مُنتجات بدقة تصنيع 5nm أيضاً، حيث يساوي النانومتر الواحد واحدًا من المليار من المتر، وفي الوقت الحالي لكتابة هذا التقرير، توجد شركتان فقط في العالم وهما شركتيّ Samsung و TSMC قادرتان على إنتاج رقائق بدقة تصنيع 7 نانومتر.

وبشكل عام، تُعتبر العقد النانومترية الأصغر مهمة بشكل رئيسي، وذلك لأنها تعزز أداء الدائرة وتقلل من استهلاك الطاقة، حيث أن دقة التصنيع الأصغر تعني ببساطة حجماً أقل للترانزستور وهو ما يعني كمية أكبر في نفس الحجم.


 يمكنك التعرف بالتفصيل عن النانوميتر وأهميته من خلال هذا المقال 


 كيف يتم تصنيعها

أشباه الموصلات هي مادة توصل الكهرباء في بعض الظروف دون غيرها، مما يجعلها وسيلة جيدة للتحكم في التيار الكهربائي، ومعظم أشباه الموصلات في العالم والمعروفة أيضًا باسم الدوائر المتكاملة (ICs) أو الرقائق الدقيقة  microships مصنوعة من عناصر نقية مثل السيليكون.  

ولمن لا يعلم فالمادة الخام للسيليكون هي الرمل، الذي يتم تنقيته بشكل دقيق وصهره إلى سبائك أسطوانية صلبة، ثم يتم تقطيعها إلى أقراص رفيعة أو رقائق  Wafers جاهزة للمعالجة إلى شرائح جاهزة.

وفي الحقيقة، تخضع رقائق السيليكون Silicon wafers عادة لسلسلة طويلة من خطوات التصنيع المعقدة للغاية مثل: (النقش أو etching وعملية الانتشار diffusion) في مصنع يسمى بالمسبك أو wafer fab

أما بالنسبة لعملية التصنيع "التي يمكن في بعض الأحيان أن تتطلب مئات الخطوات" تضع أنماطًا من المواد المُختلفة بترتيبات مُعيّنة فوق بعضها البعض، وتختلف "الوصفة" المستخدمة في صنع الرقائق وفقًا للاستخدام النهائي المقصود من هذه الرقائق. 

يتم بعد ذلك تقطيع الشرائح الفردية (التي تسمى بالشرائح أو الـ  dies) وتعبئتها بشكل مُعيّن في المكون النهائي وهو أشباه الموصلات، والتي يتم دمجها بدورها في الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف الذكية وأجهزة التلفزيون وأجهزة الكمبيوتر والمعدات الطبية.


كيف يتم تصنيع أشباه الموصلات




 أنواع الشركات المصنعة لأشباه الموصلات


عندما يتعلق الأمر بعملية صناعة أشباه الموصلات، فمن الجدير بالذكر أن هناك ثلاثة نماذج عمل في صناعة أشباه الموصلات وهي كالتالي: 

1- يُشار إلى الشركات التي تركز فقط على عملية التصميم مثل شركة Qualcomm  وشركة  Nvidia على أنها شركات "fabless". 

2- وتُسمّى الشركات التي تُركّز فقط على عملية التصنيع مثل شركة TSMC وشركة  SMIC باسم مسابك الرقائق wafer foundries

3- بينما يطلق على الشركات التي تفعل كلا الأمرين اسم شركة متكاملة، أو الشركات المصنعة للأجهزة أو الـ IDMs وهو إختصار لكلمة  Integrated Device Manufacturers ومثال على هذه الشركات هي شركة Intel وشركة Samsung. 


وأيضاً شركة AMD في السابق، قبل بيعها مسابك globalfoundries.


يجب التنويه أيضاً إلى أن هناك نوعان آخران من الشركات المشاركة في سلسلة توريد أشباه الموصلات "سلسلة التوريد هي سلسلة الأعمال والخطوات التي تعمل على تصنيع ونقل أشباه الموصلات من مرحلة التخطيط ثم التصنيع ووصولاً للأسواق" وهي كالتالي:

1- شركات أتمتة التصميم الإلكتروني أو شركات Electronic design automation (EDA) مثل شركة Cadence وشركة Synopsis بتطوير البرامج المعقدة المستخدمة لتصميم الدوائر المتكاملة نفسها.

2- شركات النهاية الخلفية أو back end مثل شركة Amkor وشركة ASE تقوم بتجميع واختبار الرقائق الفردية بعد مغادرتهم مسبك التصنيع.


أنواع الشركات المصنعة لأشباه الموصلات





 أنواع الرقائق الأكثر استخدامًا



كما أشرنا في البداية، يُمكن أن تحتوي الرقائق الدقيقة على مليارات الترانزستورات التي تتحكم في كيفية تدفق الكهرباء في الجهاز، لذا سيُحدد ترتيب هذه الترانزستورات على شريحة السيليكون وظيفة الشريحة ككل. 

فعلى سبيل المثال، تعد كُلّاً من وحدة المعالجة المركزية (CPU) ووحدة المعالجة الرسومية (GPU) محركات حوسبة تستخدم لمعالجة كميات هائلة من البيانات، ومع ذلك فلكل منها بنية فريدة ومصممة لأغراض مختلفة. 

حيث تقوم وحدات المعالجة المركزية والتي تُعتبر "العقل" لجميع أجهزة الكمبيوتر، بتنفيذ الأوامر وتنفيذ العمليات اللازمة لأجهزة الكمبيوتر وأنظمة التشغيل، وهو ما يعني أنها مناسبة لمجموعة متنوعة من أعباء العمل وتتمتع بميزة تعدد الاستخدامات وتعدد المهام وسهولة البرمجة.

وعلى الجانب الآخر، يُمكن لوحدات المُعالجة الرسومية، والتي يتم تصميمها مع آلاف من أنوية المُعالجة المُخصصة التي تعمل في وقت واحد، ومعالجة البيانات بعدة أوامر من حيث الحجم، وتعتبر وحدة المعالجة الرسومية أسرع بكثير من وحدة المعالجة المركزية، ولكنها ليست متعددة الاستخدامات مثلها، فقد تم تصميم وحدات المُعالجة الرسومية (GPU) في الأصل للرسوميات، ولكنها تُستخدم الآن في مجموعة واسعة من التطبيقات الحاسوبية المكثفة مثل الألعاب وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.

ثم تأتي بعد ذلك وحدات التخزين بأنواعها، وباقي قطع الحاسوب والشرائح الإلكترونية في السيارات.


 يمكنك التعرف بالتفصيل عن الـ CPU و الـ GPU و الـ APU من خلال هذا المقال 


 أهم الشركات في صناعة أشباه الموصلات


في صناعة أشباه الموصلات، تُعد الطباعة الحجرية أو الـ  lithography هي المرحلة الأكثر أهمية في عملية صناعة الرقائق، حيث يتم استخدام الضوء لطباعة أنماط الدوائر الصغيرة tiny circuit patterns أي "الطرق التي ستسير فيها الكهرباء" على رقاقة السيليكون.


حيث يُسقط الضوء من خلال جزء يسمى القناع، ومن ثم تتقلص هذه الإضاءة من حيث الإنتشار ويتم تركيزها لرسم النمط أو التخطيط المُراد على رقاقة السيليكون الحساسة للضوء. 


وتُعتبر شركة ASML الهولندية حاليًا هي الشركة الوحيدة التي يمكنها توفير أنظمة الطباعة الحجرية الأكثر تقدمًا اللازمة لإنتاج رقائق لعقدة تصنيع 7 نانومتر و 5 نانومتر.


شركة ASML الهولندية  توفير أنظمة الطباعة الحجرية اللازمة لإنتاج رقائق لدقة تصنيع 7 نانومتر و 5 نانومتر



تُسمّى هذه الأجهزة ماسحات EUV الضوئية، وتُستخدم الطباعة الحجرية EUV الضوء بطول موجي يبلغ 13.5 نانومتر فقط (مستوى الأشعة السينية تقريبًا) وهو ما يقل بنحو 14 مرة عن الطباعة الحجرية DUV  (الأشعة فوق البنفسجية العميقة) التي تستخدم ضوءًا يبلغ قياسه 193 نانومترًا


تتوفر آلات DUV من الموردين اليابانيين Nikon و Canon لكن شركة ASML هي المورد الوحيد لـ EUV، وهي غير  مُتاحة لصانعي الرقائق الصينيين بسبب قيود التصدير التي تفرضها الحكومات الغربية.


ماسحات EUV الضوئية



 مُستقبل صناعة أشباه الموصلات



على الرغم من أن الصين تستورد رقائق بقيمة 300 مليار دولار أمريكي سنويًا إلا أنها تعتبر متأخرة عندما يتعلق الأمر بقدراتها التصنيعية.  

فمُصنّع الرقائق الأكثر تقدمًا في الصين هو شركة  Semiconductor Manufacturing International Corp (SMIC) التي أسسها ريتشارد تشانغ المتخصص السابق في صناعة الرقائق في شركة Texas Instruments في عام 2000.  

وتعمل شركة SMIC على نفس نموذج الأعمال مثل مسابك شركة TSMC وهو ما يعني أنها مسبك رقائق مستقلة تنتج رقائق لصانعي الرقائق الـ fabless

وتعتمد شركة SMIC ومقرها شنغهاي بشكل كبير على التكنولوجيا الأجنبية لصنع رقائقها، إلا أنها قد تم وضعها مؤخرًا على قائمة المراقبة الأمريكية التي تطلب من موردي المعدات الأمريكيين التقدم للحصول على ترخيص قبل أن يتمكنوا من شحن أي ماكينات إلى الشركة الصينية.

وتستثمر شركة SMIC حوالي 70 في المائة من إيراداتها على واردات المعدات والمواد من الموردين الأمريكيين والأوروبيين واليابانيين، ومع ذلك بينما تنتقل شركة TSMC إلى إنتاج الشرائح بدقة تصنيع 5 نانومتر فإن أكثر عقدة عملية تستطيع شركة SMIC تقديمها حالياً هي 14 نانومتر.  

وبموجب إتفاقية  Wassenaar تُقيّد الولايات المتحدة وحلفاؤها تصدير تقنيات الاستخدام المزدوج إلى الدول الشيوعية، مما يعني أن شركات مثل SMIC وصانعي الرقائق الآخرين الصينيين لا يمكنهم الوصول إلى أحدث تقنيات صناعة الرقائق، لأنهم لا يملكون المُعدّات أو المكونات اللازمة لذلك وعليهم الإعتماد على مواردهم وقُدراتهم التصنيعية الحالية.

فعلى سبيل المثال، تم منع شحن آلات الطباعة الحجرية lithography machines الأكثر تقدمًا والتي تسمى الماسحات الضوئية EUV إلى الصين، وتُعد تقنية EUV ضرورية للغاية لعقد تصنيع 7 نانومتر و 5 نانومتر

وهذا يعني أن شركة SMIC يمكنها فقط استخدام آلات الجيل السابق، المسماة DUV وهو ما يجعل المسابك الصينية لا يمكنها إنتاج شرائح مع دقات تصنيعية أكثر تقدمًا من 14 نانومتر.

وخلال احتفال الصين بالذكرى الأربعين لتعيين شنتشن كأول منطقة اقتصادية خاصة في الصين، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ:

 إن البلاد يجب أن تتخذ طريقًا نحو الاعتماد على الذات، مما يعني أن تصبح مستقلة في حملة الابتكار لدينا.

وقد قال وي شاوجون، الأستاذ بجامعة تسينغهوا في قسم الإلكترونيات الدقيقة والإلكترونيات النانوية تعقيباً على ذلك:  

 إن فكرة البدء من الصفر لتحقيق الاعتماد على الذات في صناعة الرقائق كانت "غير واقعية" لأن سلسلة توريد التكنولوجيا العالمية بالفعل متكاملة للغاية

ومن هذ الجانب فقد تباينت الآراء بشكل كبير، حيث يرى البعض صعوبة المُهمة وأن الصين مُتأخرة بحوالي عشر سنوات عن باقي العالم، في حين رأي البعض أنها يُمكنها أن تقوم باستقطاب الشركات العالمية لعمل مصانع خاصة بها في الصين والإعتماد على السوق الخاص بها في جلب رؤوس الأموال.

ومع عدم الإستقرار الحالي في السوق وسلسلة التوريد الخاصة بصناعة أشباه الموصلات والتي تؤثر بشكل كبير في إستقرارها العديد من العوامل مثل وباء COVID-19 وإنفراد شركة TSMC تقريباً في الريادة في هذا السوق الشره، والخوف من عدم قدرة TSMC على الوفاء بجميع الطلبات التصنيعية للشركات التي تتعامل معها، يبقى السؤال المُحيّر المطروح على طاولة النقاش هو "ما هو مصير صناعة أشباه الموصلات في الأعوام التالية؟".


فلابد بكل حال أن يتم إيجاد حلول أكثر واقعية من إقصاء بعض الدول من حيز السوق الدولي لتوفير معروض أكبر من الشرائح للشركات الأُخرى، فبالرغم من أن إقصاء الصين قد ساعد بالتأكيد على تقليل الطلب على الشرائح الأكثر تقدُّماً إلا أن الطلب لازال يتزايد وقد يتفاقم قريباً مرة أُخرى، وهو ما يجب مُعالجته عن طريق توفير مصانع ومسابك أكثر. 


فلا شك أن صناعة أشباه الموصلات -وبسبب تواجدها في كل شئ حولنا تقريباً- هي أحد أكثر الصناعات الحساسة في العلاقات الدولية بين الدول (يمكنك مراجعة التوتر الحاصل بين الدول على غرار الأزمة الأخيرة) وهو ما يجعل التعامل مع السوق الخاص بها أمر شديد الخطورة، بل يجعلها الذراع التي تُحرّك العالم!.


مصطفى أمان
بواسطة : مصطفى أمان
صانع محتوى تعليمي تقني على مدونتي وعلى قناة اليوتيوب. وهدفي من هذا المحتوى هو محو الأمية المتعلقة بمجال تكنولوجيا المعلومات حتى نبدأ من حيث انتهى الأخرين.
تعليقات



    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -
    [chatbot]